إيلي كوهين هو أحد أشهر الجواسيس الإسرائيليين في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والذي نفذ مهمة تجسس سرية في سوريا بين عامي 1962 و1965، قبل أن يُكشف أمره ويُعدم في دمشق عام 1965.
بعد أكثر من 60 عامًا على إعدامه، لا تزال جثته مفقودة في سوريا، لكن إسرائيل تسعى جاهدة لاستعادتها، في ظل استرجاعها مؤخرًا آلاف الوثائق والمقتنيات الشخصية الخاصة به من الأرشيف السوري الرسمي، في عملية سرية وصفها رئيس الموساد بأنها “خطوة كبيرة” نحو معرفة مكان دفنه.
النشأة والبدايات
وُلد إيلي كوهين عام 1924 في الإسكندرية بمصر لعائلة يهودية من أصول سورية، نشأ في بيئة متعددة الثقافات وأجاد العربية والعبرية والفرنسية، ودرس الهندسة في جامعة القاهرة لكنه لم يكمل دراسته.
انخرط في النشاط الصهيوني في مصر وشارك في عمليات سرية خلال الخمسينيات، قبل أن يغادر مصر عام 1955 إلى إسرائيل حيث تم تجنيده من قبل جهاز الموساد.
كامل أمين ثابت: مهمة التجسس في سوريا
في عام 1962، أُرسل كوهين إلى دمشق بهوية مزورة باسم “كامل أمين ثابت”، تاجر سوري من أصول سورية مهجر، بنى شبكة علاقات واسعة مع كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين السوريين، حتى وصل إلى مستويات عليا في الدولة، مما مكنه من إرسال معلومات استخباراتية دقيقة إلى إسرائيل.
خلال أربع سنوات من العمل، أرسل أكثر من 250 رسالة استخباراتية تضمنت تفاصيل عن الجيش السوري، تحصيناته في الجولان، تحركات الضباط، صفقات الأسلحة، ولقاءات المسؤولين. كما التقط صورًا سرية لمواقع عسكرية بكاميرا مخفية في ساعة يده.
كشف أمر إيلي كوهين ودور المخابرات المصرية
تم كشف أمر كوهين بعد مراقبة دقيقة من قبل أجهزة المخابرات السورية والمصرية، بمساعدة تقنيات تعقب سوفيتية وأجهزة استخبارات عربية، تشير تقارير إلى أن المخابرات المصرية لعبت دورًا حاسمًا في كشف هويته، حيث تعرف ضباط مصريون على صورته ضمن زيارة عسكرية في الجولان، وأبلغوا دمشق بذلك.
كما تشير روايات إلى أن الجاسوس المصري رفعت الجمال (رأفت الهجان) كان على معرفة سابقة بكوهين وأبلغ السلطات المصرية.
في يناير 1965، اعتُقل كوهين في دمشق، وخضع لمحاكمة عسكرية أُدين فيها بالتجسس، وأُعدم شنقًا في 18 مايو 1965 في ساحة المرجة بدمشق، حيث بقيت جثته معلقة لساعات.
الوصية الأخيرة
قبل إعدامه بساعات، كتب إيلي كوهين رسالة مؤثرة لزوجته نادية وعائلته، طلب فيها الحفاظ على التواصل بين أفراد العائلة، ورعاية أولادهما الثلاثة (صوفي، إيريس، وشاؤل) وتعليمهم.
سمح لها بالزواج من شخص آخر كي لا يكبر الأطفال دون أب، وناشدها ألا تضيّع وقتها في الحزن بل أن تتطلع إلى المستقبل، وختم رسالته قائلاً: “لكم جميعًا، قبلاتي الأخيرة”.
استرجاع الأرشيف السوري ومحاولات استعادة الجثة
في مايو 2025، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد ديفيد برنياع عن استرجاع نحو 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية من الأرشيف السوري الرسمي الخاص بكوهين، في عملية سرية معقدة نفذها الموساد بالتعاون مع جهاز استخباراتي استراتيجي شريك. شملت المواد:
- الوصية الأصلية التي كتبها كوهين بخط يده.
- تسجيلات صوتية وملفات تحقيق واستجواب له ولمن كانوا على اتصال به.
- رسائل لعائلته في إسرائيل.
- صور من نشاطه في سوريا.
- جوازات سفر مزورة.
- مفاتيح شقته في دمشق.
- مقتنيات شخصية من منزله الذي صودرت بعد اعتقاله.
- ملف خاص بزوجته “نادية كوهين” يتضمن تفاصيل مراقبة الأمن السوري لحملتها للمطالبة بالإفراج عنه.
رغم استرجاع هذه الوثائق والمقتنيات، لم تُستعد جثة إيلي كوهين بعد، ولا يزال مكان دفنه مجهولًا. أكد رئيس الموساد أن هذه الخطوة تمثل “إنجازًا كبيرًا وخطوة أقرب إلى اكتشاف مكان دفنه في دمشق”، وأن الموساد سيواصل جهوده لاستعادة رفاته، ضمن مساعي أوسع لإعادة المفقودين الإسرائيليين.
أهمية إيلي كوهين في التاريخ الإسرائيلي
يعتبر “أعظم جاسوس في تاريخ إسرائيل” حسب وصف نتنياهو، حيث ساهمت معلوماته الاستخباراتية في تعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية، خصوصًا في حرب يونيو 1967.
وقد ساعدت تقاريره في كشف تحصينات الجولان وخطط الجيش السوري، ما كان له أثر مباشر في الانتصار الإسرائيلي في تلك الحرب.
تعرف على أبرز المشاركين في القمة العربية بغداد 2025!